معاييرنا النقدية يجب ان تختلف!
من الطبيعي أن يتصدى الإعلام للكشف عن أوجه الخلل في أداء مؤسساتنا ومرافقنا ، ومن واجبه أن يفضح أوجه القصور في تحمل مسؤوليات العمل العام ، وأن يعري الفساد ويلاحقه اينما وجد ، كما من واجبه أيضاً أن يقترح الحلول والوصفات العلاجية ، يبدو كل هذا بديهياً ولا غبار عليه ، إلا أن السؤال هو : كيف ينبغي أن نفعل هذا ؟ .
أسأل هذا السؤال لأننا نشاهد بعض الاعلاميين (ودون ذكر للأسماء) يمارسون هذه المهمة النبيلة بطريقة تضر بالمصلحة العامة أكثر مما تفيد ، ونحن لا نشك في نبل مقاصدهم ، إلا أن الطريق إلى الجحيم مرصوف بحُسن النوايا كما يقول الفرنسيون في أمثالهم ، فنجدهم يعرضون لمشاكلنا وإخفاقات مؤسساتنا بتركيز يخل بتوازن النظرة النقدية الموضوعية. هنا وهناك اخفاقات وأوجه قصور ، مثلما هو موجود ويحدث في أي دولة وفي أي مجتمع ، ولكن بالمقابل إذا وضعنا في الاعتبار ما استطاعت أن تحققه المملكة من تطور في وقت قياسي ، فإن النقد في هذه الحالة ينبغي أن يكون مثل مبضع الجراح يستخدم للعلاج وليس خنجراً يطعن ليقتل ، ويبدو لي إن من ينهجون هذا النهج يجهلون موقع المملكة في الخارطة السياسية الاقليمية والدولية وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقها ، بينما يدرك هذا الموقع وحجم التأثير والدور المتوقع منها أعداءها الذين لا يكفون عن الكيد لها ومحاولات النيل منها ومن سمعتها ومكانتها ، ولا أعتقد بأن من يتناولون أوجه القصور عندنا يهدفون إلى طعن الوطن في ظهره ولا يريدون أن يقدموا الوطن لأعدائه بصورة شائهة .
أعتقد بأن المسألة لا تعدو عن كونها سوء فهم لوظيفة النقد ، فأنت حين تندفع مركزاً على السلبيات وحدها وتتناولها بصورة لا تتحرى فيها سوى توفر اكبر قدر من الاثارة ، سواء بحسن نية في الاصلاح ، أو بحسن نية أيضاً لترسيخ صورة وانطباع في ذهن المتلقى بأنك تتمتع بالجرأة والشجاعة على فضح "المسكوت عنه " وكشف المستور ، مع الاغفال التام لكل انجاز استطاعت هذه الأمة تحقيقه ، فانك في الواقع لا تساعدها على تجاوز ومعالجة الأخطاء وإنما أنت تُضعف ثقتها في نفسها وتتسبب في إحباطها ، وأكثر من ذلك أنت تؤكد ما يحاول اعداءها إشاعته عنها ، وتقدم لهم السلاح (دون قصد طبعاً) لطعنها في ظهرها ، ليتأكد بذلك المثل الفرنسي عن الطريق المرصوف بحسن النوايا إلى الجحيم .
إضاءات :
*******
*عندما أتحدث عن"بلادي" أتجاوز ما أنجز ، لأننا معنيون بما لم ينجز وكان من الممكن أن ينجز !
*قيل..لكل فتنة قناع فالجاهل ينظر إلى ما ظهر وعلا... والعاقل ينظر إلى الباطن والمنتهى فمادة الجاهل في نظره الهوى... ومادة العاقل الوحي والهدى
*بيئة العمل الفاسدة "تستقطب" الفاشلين لسهولة استخدامهم"اينما وكيفما اراد من عينهم".فلا يستغربون عندما يجدون انفسهم ،في مواقع اكبر من إمكانياتهم وقدراتهم.